مصر والقضية الفلسطينية
كانت مصر أول من أدرك خطورة ما يجرى في فلسطين وآثاره على المنطقة العربية وعلى علاقات شعوب هذه المنطقة بالعالم الغربي، وعلى مستقبل العلاقة بين الحضارتين الغربية والعربية الإسلامية.. وهى أمور أثبتت الأحداث صدقها في عقود تالية.
ومن خلال استعراض الدور والمواقف المصرية إزاء قضية فلسطين عبر أكثر من نصف قرن يمكن رصد الملامح الرئيسية لهذا الدور عبر النقاط التالية:
أولاً: أن ارتباط مصر بقضية فلسطين هو ارتباط دائم ثابت تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية مع شعب فلسطين.
لذلك، لم يكن الموقف المصري من قضية فلسطين في أي مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنـية، ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، لذلك.. لم يتأثر ارتباط مصر العضوي بقضية فلسطين بتغير النظم والسياسات المصرية.. فقبل ثورة 23 يوليو 1952 كان ما يجرى في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، ثم في الحرب ذاتها التي كان الجيش المصري في مقدمة الجيوش العربية التي شاركت فيها ثم كانت الهزيمة في فلسطين أحـد أسباب تفجر ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار الذين استفزتهم الهزيمة العسكرية، وتوصلوا إلى استنتاج بأن فساد أوضاع الحكم في مصر آنذاك كان أحد أسباب الإخفاق العسكري.
وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت قضية فلسطين في مقدمة اهتمام قادة الثورة خاصة بعد حادث غزة الاستفزازي ضد الضباط المصريين عام 1955، وبسبب مواقف قادة الثورة، كانت إسرائيل طرفاً مشاركاً في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم قامت بعدوانها الواسع المنفرد في عام 1967 بعد مواقف مصر السياسية الواضحة في دعم قضية فلسطين، والوقوف في وجه الأطماع الإسرائيلية في المياه والأراضي العربية، ورفضها لتهـديدات إسرائيل للدول العربية.
وفى عهد الرئيس السادات خاضت مصر حرب أكتوبر المظفرة ثم خاضت معركة السلام. وفى عهد الرئيس مبارك فإن التزام مصر ثابت في مساندة قضية فلسطين خاصة بعد أن تم تحرير الأرض المصرية، وتوجه الجهد السياسي والدبلوماسي المصري إلى مساندة الموقف الفلسطيني، فساعدت مصر في إجلاء القيـادة الفلسطينية عقب محنتها في لبنان، وفى الاتفاق الأردني ـ الفلسطيني (1985) وفى إعلان القاهرة لوقف العمليات الخارجية (1985) وفى الانتفاضة الأولى (1987) وفى إعلان الدولة الفلسطينية (1988) وبدء الحوار الأمريكي الفلسطيني، ثم في مشاريع ومبـادرات التسوية (1989) وفى مؤتمر مدريد (1991).. ثم أيدت مصر اتفاق أوسلو الذي ارتضاه الفلسطينيون 1993، وقامت برعاية العديد من الاتفاقات التنفيذية له في القاهرة وطابا بعد ذلك ، وصولاً إلى الانتفاضة الثانية حيث استضافت مصر القمة العالمية في شرم الشيخ ثم مفاوضات طابا وقامت مصر بسحب السفير المصري من إسرائيل نتيجة الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة ضد الفلسطينيين، وساندت الموقف الفلسطيني دولياً، وقامت برعاية الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني وتبـذل كل جهد من أجل ضمان الانسحاب من الأراضي الفلسطينية بدءاً من غزة، وبدء مفاوضات جادة للتسوية.
ثانياً: أن الحل العادل لقضية فلسطين كان دائماً هدف مصر، وجوهر دورها وسياستها.. ورغم تغير ظروف وتوازنات الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً من مرحلة لأخرى، ورغم استحالة تحقيق العدالة المطلقة في بعض هذه المراحل، إلا أن دعوة مصر دائماً كانت إلى حل عادل يراعى حقوق ومصالح جميع الأطراف.
فقد أيقنت مصر منذ البداية أن معالجة آثار الفظائع التي تعرض لها اليهود في أوروبا لا يمكن أن يتم على حساب شعب فلسطين، وأن من غير المقبول علاج مأساة شعب بفرض مأساة على شعب لآخر.
كما التزمت مصر دائماً بإطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة كإطار مناسب للحل العادل، وضربت مصر المثل بالالتزام بكل ما وقعت عليه من معاهدات واتفاقات، بدءاً من اتفاق الهدنة إلى معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.
ثالثاً: إن مصر أقامت شبكة علاقاتها الدولية على مدى عقود طويلة استناداً إلى المواقف الدولية من قضية فلسطين، فكانت علاقات مصر تتحدد إيجاباً وسلباً بمواقف المجموعات والقوى الدولية إزاء قضية فلسطين.
وعلى هذا الأساس كان مسار علاقات مصر بكل من الدولتين العظميين والقوى الكبرى في الشرق والغرب خلال فترة الحرب الباردة.. ولنفس الغرض كان النشاط الواسع والمكثف للدبلوماسية المصرية في التجمعات الدولية المختلفة كحركة عدم الانحياز، والمجموعة الأفريقية، وفى آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها.. وفى الوقت الراهن، فان مصر تستثمر وزنها الدولي وشبكة علاقاتها المكثفة بكل الدول والقوى والمجموعات الدولية من أجل مساندة الحق الفلسطيني والسعي لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.
رابعاً: إن مصر جنـدت إمكاناتها وقدراتها الكاملة في كل مرحلة من مراحل الصراع من اجل فلسطين، واتخذ الدور المصري أشكالاً متعددة بحسب ما تتطلبه كل مرحلة.
ففي مرحلة الصدام العسكري (1948 ـ 1974)، كانت مصر المقاتل الأول، وسخرت مواردها، وفقـدت عشـرات ألاف من شبابها المنتج في خمسة حروب ضارية هي حرب 1948، وعدوان 1956، وعدوان 1967، وحرب الاستنزاف ثم حرب التحرير في أكتوبر 1973 وخلال هذه المراحل انفتحت مصر على كل الجهود والمبادرات التي قد تؤدى إلى حل عادل.
وعندما نضجت كل الأطراف للتسوية نتيجة الانتصار العربي في حرب أكتوبر 1973 التي صححت التوازن السياسي والعسكري والمعنوي بين العرب وإسرائيل، اقتحمت مصر غمار التسوية السلمية على أساس قرارات الأمم المتحدة، ولم تكن المعركة السلمية أقل ضراوة، وفى كل مراحلها كانت التسوية الشاملة هدف مصر، وكان الحل العادل لقضية فلسطين هو جوهر أي بحث في الحل الشامل.. فدعيت الأطراف العربية بما فيها الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات القاهرة، وجاء نص كامل عن مراحل التسوية للقضية الفلسطينية في إطار كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط.
خامساً: إن مصر في كل مراحل القضية، في الصراع وفى جهود التسوية، لم تقدم نفسها بديلاً عن الفلسطينيين شعباً أو قيادة، ولم تتحدث باسمهم، بل ساعدت على وجود ممثلين معترف بهم للشعب الفلسطيني، ثم تمكين هذه القيادة من المشاركة في كل مراحل القضية صراعاً وتسوية.
وهكذا.. ساعدت مصر في إنشاء حركة فتح ثم منظمة التحرير الفلسطينيـة، وقدمت مبادرات لإقرار عربي بأنها الممثل للشعب الفلسطيني، ثم تدعيم هذا الأمر دولياً.. وصولاً إلى مراحل المفاوضات منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم.. وعندما تطلب الأمر تدخلاً مصرياً لتوحيد الصف الفلسطيني، بادرت مصر إلى رعاية الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني.
وفى كل الأحوال والمراحل حرصت مصر على أن يكون القرار فلسطينياً في كل ما يتعلق بمصير شعب وأرض فلسطين، ثم تدعم الخيار الذي اختاره الفلسطينيون لأنفسهم.
كانت مصر أول من أدرك خطورة ما يجرى في فلسطين وآثاره على المنطقة العربية وعلى علاقات شعوب هذه المنطقة بالعالم الغربي، وعلى مستقبل العلاقة بين الحضارتين الغربية والعربية الإسلامية.. وهى أمور أثبتت الأحداث صدقها في عقود تالية.
ومن خلال استعراض الدور والمواقف المصرية إزاء قضية فلسطين عبر أكثر من نصف قرن يمكن رصد الملامح الرئيسية لهذا الدور عبر النقاط التالية:
أولاً: أن ارتباط مصر بقضية فلسطين هو ارتباط دائم ثابت تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية مع شعب فلسطين.
لذلك، لم يكن الموقف المصري من قضية فلسطين في أي مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنـية، ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، لذلك.. لم يتأثر ارتباط مصر العضوي بقضية فلسطين بتغير النظم والسياسات المصرية.. فقبل ثورة 23 يوليو 1952 كان ما يجرى في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، ثم في الحرب ذاتها التي كان الجيش المصري في مقدمة الجيوش العربية التي شاركت فيها ثم كانت الهزيمة في فلسطين أحـد أسباب تفجر ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار الذين استفزتهم الهزيمة العسكرية، وتوصلوا إلى استنتاج بأن فساد أوضاع الحكم في مصر آنذاك كان أحد أسباب الإخفاق العسكري.
وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت قضية فلسطين في مقدمة اهتمام قادة الثورة خاصة بعد حادث غزة الاستفزازي ضد الضباط المصريين عام 1955، وبسبب مواقف قادة الثورة، كانت إسرائيل طرفاً مشاركاً في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم قامت بعدوانها الواسع المنفرد في عام 1967 بعد مواقف مصر السياسية الواضحة في دعم قضية فلسطين، والوقوف في وجه الأطماع الإسرائيلية في المياه والأراضي العربية، ورفضها لتهـديدات إسرائيل للدول العربية.
وفى عهد الرئيس السادات خاضت مصر حرب أكتوبر المظفرة ثم خاضت معركة السلام. وفى عهد الرئيس مبارك فإن التزام مصر ثابت في مساندة قضية فلسطين خاصة بعد أن تم تحرير الأرض المصرية، وتوجه الجهد السياسي والدبلوماسي المصري إلى مساندة الموقف الفلسطيني، فساعدت مصر في إجلاء القيـادة الفلسطينية عقب محنتها في لبنان، وفى الاتفاق الأردني ـ الفلسطيني (1985) وفى إعلان القاهرة لوقف العمليات الخارجية (1985) وفى الانتفاضة الأولى (1987) وفى إعلان الدولة الفلسطينية (1988) وبدء الحوار الأمريكي الفلسطيني، ثم في مشاريع ومبـادرات التسوية (1989) وفى مؤتمر مدريد (1991).. ثم أيدت مصر اتفاق أوسلو الذي ارتضاه الفلسطينيون 1993، وقامت برعاية العديد من الاتفاقات التنفيذية له في القاهرة وطابا بعد ذلك ، وصولاً إلى الانتفاضة الثانية حيث استضافت مصر القمة العالمية في شرم الشيخ ثم مفاوضات طابا وقامت مصر بسحب السفير المصري من إسرائيل نتيجة الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة ضد الفلسطينيين، وساندت الموقف الفلسطيني دولياً، وقامت برعاية الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني وتبـذل كل جهد من أجل ضمان الانسحاب من الأراضي الفلسطينية بدءاً من غزة، وبدء مفاوضات جادة للتسوية.
ثانياً: أن الحل العادل لقضية فلسطين كان دائماً هدف مصر، وجوهر دورها وسياستها.. ورغم تغير ظروف وتوازنات الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً من مرحلة لأخرى، ورغم استحالة تحقيق العدالة المطلقة في بعض هذه المراحل، إلا أن دعوة مصر دائماً كانت إلى حل عادل يراعى حقوق ومصالح جميع الأطراف.
فقد أيقنت مصر منذ البداية أن معالجة آثار الفظائع التي تعرض لها اليهود في أوروبا لا يمكن أن يتم على حساب شعب فلسطين، وأن من غير المقبول علاج مأساة شعب بفرض مأساة على شعب لآخر.
كما التزمت مصر دائماً بإطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة كإطار مناسب للحل العادل، وضربت مصر المثل بالالتزام بكل ما وقعت عليه من معاهدات واتفاقات، بدءاً من اتفاق الهدنة إلى معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.
ثالثاً: إن مصر أقامت شبكة علاقاتها الدولية على مدى عقود طويلة استناداً إلى المواقف الدولية من قضية فلسطين، فكانت علاقات مصر تتحدد إيجاباً وسلباً بمواقف المجموعات والقوى الدولية إزاء قضية فلسطين.
وعلى هذا الأساس كان مسار علاقات مصر بكل من الدولتين العظميين والقوى الكبرى في الشرق والغرب خلال فترة الحرب الباردة.. ولنفس الغرض كان النشاط الواسع والمكثف للدبلوماسية المصرية في التجمعات الدولية المختلفة كحركة عدم الانحياز، والمجموعة الأفريقية، وفى آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها.. وفى الوقت الراهن، فان مصر تستثمر وزنها الدولي وشبكة علاقاتها المكثفة بكل الدول والقوى والمجموعات الدولية من أجل مساندة الحق الفلسطيني والسعي لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.
رابعاً: إن مصر جنـدت إمكاناتها وقدراتها الكاملة في كل مرحلة من مراحل الصراع من اجل فلسطين، واتخذ الدور المصري أشكالاً متعددة بحسب ما تتطلبه كل مرحلة.
ففي مرحلة الصدام العسكري (1948 ـ 1974)، كانت مصر المقاتل الأول، وسخرت مواردها، وفقـدت عشـرات ألاف من شبابها المنتج في خمسة حروب ضارية هي حرب 1948، وعدوان 1956، وعدوان 1967، وحرب الاستنزاف ثم حرب التحرير في أكتوبر 1973 وخلال هذه المراحل انفتحت مصر على كل الجهود والمبادرات التي قد تؤدى إلى حل عادل.
وعندما نضجت كل الأطراف للتسوية نتيجة الانتصار العربي في حرب أكتوبر 1973 التي صححت التوازن السياسي والعسكري والمعنوي بين العرب وإسرائيل، اقتحمت مصر غمار التسوية السلمية على أساس قرارات الأمم المتحدة، ولم تكن المعركة السلمية أقل ضراوة، وفى كل مراحلها كانت التسوية الشاملة هدف مصر، وكان الحل العادل لقضية فلسطين هو جوهر أي بحث في الحل الشامل.. فدعيت الأطراف العربية بما فيها الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات القاهرة، وجاء نص كامل عن مراحل التسوية للقضية الفلسطينية في إطار كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط.
خامساً: إن مصر في كل مراحل القضية، في الصراع وفى جهود التسوية، لم تقدم نفسها بديلاً عن الفلسطينيين شعباً أو قيادة، ولم تتحدث باسمهم، بل ساعدت على وجود ممثلين معترف بهم للشعب الفلسطيني، ثم تمكين هذه القيادة من المشاركة في كل مراحل القضية صراعاً وتسوية.
وهكذا.. ساعدت مصر في إنشاء حركة فتح ثم منظمة التحرير الفلسطينيـة، وقدمت مبادرات لإقرار عربي بأنها الممثل للشعب الفلسطيني، ثم تدعيم هذا الأمر دولياً.. وصولاً إلى مراحل المفاوضات منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم.. وعندما تطلب الأمر تدخلاً مصرياً لتوحيد الصف الفلسطيني، بادرت مصر إلى رعاية الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني.
وفى كل الأحوال والمراحل حرصت مصر على أن يكون القرار فلسطينياً في كل ما يتعلق بمصير شعب وأرض فلسطين، ثم تدعم الخيار الذي اختاره الفلسطينيون لأنفسهم.